بعيداً عن بعض الكلمات التي خرجت من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وأحاديثه المطولة، على مدى ساعات زيارته للمنطقة وحضوره لقمة شرم الشيخ، ومحاولات مغازلة إسرائيل وسكانها، خصوصاً المتشددين منهم، ودعمه الواضح لبنيامين نتنياهو، إلا أن نتائج القمة، أثبتت الدور المحوري لمصر في الشرق الأوسط.
واختيار مصر من خلال شرم الشيخ، له دلالة مهمة جداً، فهذه المدينة كانت يوما ما تحت الاحتلال الإسرائيلي، حتى عادت باتفاق سلام بعد حرب النصر في أكتوبر 1973، وهو الشهر نفسه الذي شهد الإعلان عن وقف الحرب على غزة، وبدء أولى خطوات خريطة سلام جديدة، صنعها واقع على الأرض، يؤكد أن الحروب دائماً لها نهاية، والمدافع لن تصنع استقرارا، بل التمسك بالحقوق، وعدم التنازل عنها هو الطريق لفرض السلام.
ويقيناً فقد عبرت نتائج القمة عن أن اللحظة التاريخية الحالية، والتي عبرها عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد تكون الفرصة الأخيرة تاريخياً للوصول إلى شرق أوسط خالٍ من كل ما يهدد استقراره وتقدمه، وهي يمكن تفسيرها بأنه رسالة إلى إسرائيل، وأطراف أخرى، وتأكيد على أهمية حل الدولتين، وخلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
ورسائل القمة، كما يمكن استخلاص بعضها من كلمة مصر على لسان رئيسيها، أن حق مواطني فلسطين، قائم في بناء مدنهم، من أجل مستقبل مشرق، ومن أجل أمل متجدد، وليس من المنطق أن يتم دفن ذكريات أصحاب الأرض تحت الأنقاض.
وستكون الأيام القادمة حبلى بكثير من التحديات والآمال والطموحات، والتي كلها بحاجة لجهود جبارة من كل الأطراف، حتى لا يصبح الغموض هو سيد الموقف، وتحويل الآمال إلى واقع، والأحلام إلى حقيقة، والسعي إلى ذوبان أي غموض يكتنف مراحل بناء سلام حقيقي على الأرض.
قضية الاعتراف بدولة فلسطين نقطة محورية لإثبات جدية سلام دائم، إن آجلا أو عاجلا، ولسلام دائم واستقرار لكل الأطراف، مع كامل الحقوق الفلسطينية، وحقهم في تقرير مصيرهم، والتأكيد على أن الحقوق لا تتجزأ.
أثبتت القمة أن العنف والتدمير والدمار، لن يحققوا جمعياً شيئاً، فخلال 24 شهراً، من التدمير والدمار وإسالة الدماء، لم تتمكن إسرائيل من تحرير أسير واحد من بين أيدي أصحاب الأرض، والعارفين بدروبها، وأسرارها، ويحفظون خطوط عرضها وطولها، بل التحرير يتم بالتفاوض القبول بمبدأ المثل، وفقا لمعادلات عددية.
أشارت القمة ومن قبلها من مشاورات ولقاءات ووساطات، أن التعادل في التفاوض لا يمكن أن يكون فقط بين دولة ودولة، بل يمكن أن يكون بين جماعة ودولة، خصوصاً إذا كان الطرفان بين قوة احتلال، وأصحاب الأرض المحتلة، وقد تحقق هذا في الأيام الماضية، تحت سمع وبصر العالم.
أهمية ما هو قادم من خطة السلام في غزة، والتأسيس لمرحلة جديدة، أنه تم بشهود من 20 دولة من أنحاء العالم، إلى جانب دولتي الاستضافة (مصر وأمريكا)، ومنظمات دولية وإقليمية، وفي بث شاهده سكان قارات العالم من شرقها إلى غربها.
قمة شرم الشيخ للسلام، هي الورقة الرسمية العالمية، لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب في غزة، والتي ستتطلب تعاوناً حتى لا تتحول خطة السلام إلى اتفاق معلق بين السماء والأرض، ومن هنا جاء التأكيد المصري، على تعاون كل أطراف المجتمع الدولي من أجل متابعة تنفيذ بنود الاتفاق والحفاظ على استمراريته، بما في ذلك الوقف الشامل للحرب في غزة، والتنفيذ الكلي لتبادل الرهائن والأسرى.
والأهم انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، مع توفير كل التسهيلات لضمان دخول وتدفق كل المساعدات الإنسانية والإغاثية لسكان قطاع غزة، وهناك طموح قوي بأن تكون وثيقة دعم الاتفاق، التي تم التوقيع عليها قادة الدول الوسيطة خلال القمة، هي السند الرئيسي لتنفيذ الخطة بكل تفاصيلها، مع التعهدات التي وقعها الطرفان قبل أربعة أيام من القمةـ وتحديداً في 9 أكتوبر 2025.
في الفترة المقبلة يتطلب العمل من كل الأطراف، لضمان استكمال باقي المراحل، خصوصاً إعادة اعمار قطاع غزة، وضمانات تسكين أهلها، والانتقال السلمي لحكم القطاع ضمن الدولة الفلسطينية المأمولة.
الدور المصري سيظل مهماً في الفترة المقبلة، والذي جسدته الرئاسة المصرية في بيانها الرئاسي، يؤكد على العمل من أجل الوصول إلى الشامل والعادل، وفق التمسك بالثوابت والحقوق، وستظل مصر سنداً للشعب الفلسطيني، والذي عانى طويلا، وستدعم صموده لتحقيق حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف بما في ذلك حق تقرير المصير، وحقه في العيش بأمان وسلام عبر دولته المستقلة وعلى أرضه بغزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وعلى الخطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وتحت قيادته الشرعية.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري